" سأضع مولودي هناك ليحصل على باسبور أجنبي لضمان مستقبله ..."
" صديقتي محظوظة، تقدّم إليها عريس سيحملنها إلى أمريكا "
عبارات قصيرة تحمل أحلام من نور لا تنتهي....
لم أخطط كغيري، كان فقط انبهار بالأراضي الخضراء على الجانب الاخر من العالم، وضيق من قيود مجتمعي يكبت أنفاسي ويكبل يديّ.
لأردّد دائماً في نفسي : " إن حانت الفرصة، أكيد سأترك عمان" !
لم أفهم يوماً معنى قولي، كانت فقط أمنية بعيدة المنال، حلم مستحيل التحقيق لأترك مشاكلي في بلدي ورائي وأبدأ من جديد.
" ليس هنالك شيء اسمه نبدأ من جديد. لا أحد يبدأ من جديد حتى وإن غادر الوطن "
قال لي جابر، شاب قابلته على شباك التأشيرات في مطار الملكة علياء الدولي، ردأَ على جوابي اّنذاك :
" أسافر لأبدأ من جديد"
حين سألني عن سبب سفري، سؤال يعتبر مجرد سؤال عادي صوري روتيني يسألونه عادة للمسافرين في المطارات ولا يسمع جوابه أحد.
جابر كان قد سمع جوابي بالرغم من صوتي المنخفض أحدث به نفسي، يبدو لي أنه كان ينصت إلي عيوني أو يقرأ أفكاري !
غريب، قد رأيت جابر لبضع ثواني، قرأت اسمه معلق على صدره فقط .
وها هو اليوم يعود لي بصوته وبملامحه كل لحظة وأنا غريبة عن مدينتي عمان في مدينة أخرى بعيدة...
أتذكر جابر جالس خاف الشباك و أمامه "استيكانة" من زجاج رقيق من الشاي الداكن يطفو فوق طبقة من السكر وتنغمس فيه فرع لنعنع أخضر، بينما أرشف من فنجان فاخر كبير ملون أمامي في مقهى غريب عني ذو طابع لا يشبهني، رشفات باردة من شاي لا طعم له ولا رائحة...
أتذكر جابر يتكلم بحزم واحترام دون أن يرفع عينيه السوداء إليّ، بينما تتحوطني عيون زرقاء وخضراء لا معاني فيها تتفحصني بريبة كغريب بلا حياء...
أتذكر جابر كيف يطوي كمّ قميصه الأزرق الأنيق وأنا أتفرج على الرجال حولي يرتدون ملابس ملونة رقيقة بالكاد يغطون بها أجسادهم وكأنهم ذاهبون إلى الشاطيء والبحر ...!
أتخيل جابر ينهي ساعات دوامه الثمانية ويستقل سيارة تاكسي من نوع "سيفيا" تعبر به شارع المطار الطويل، يطل من شباكه فيرى على جانبيه بضع شجيرات حراج يتجمع تحت ظل كل منها عائلة من طفلين أو ثلاثة تفوح منهم رائحة اللحم المشوي المحمّر على الفحم.
أتخيل جابر يعبر شوارع عمان ماراَ بالدوار الثامن حتى الدوار الأول ، يصل إلى منزله، يفتح الباب لتفوح رائحة "المنوخية " وتطل والدته من خلف الباب تعانقه وتقبله..ليجلس مع والده بعد تناول الغداء على الشرفة الصغيرة يقرأ الجريدة، يلعب الورق ويدخن الأرجيلة...
الاّن فقط عرفت الحب. حب الرجل بالنسبة لي بات يُختصر في طباع وملامح جابر وحب المدينة تلخصها لي شوارع وذكريات عمان.
الاّن فقط عرفت أن جابر البسيط الحال كان على حق. أبحث عنه اليوم في مطار عمان وأنا عائدة إليها بعد غربة طويلة.
لأشيد على كلامه اّنذاك " ليس هنالك شيء اسمه نبدأ من جديد. لا أحد يبدأ من جديد حتى وإن غادر الوطن"
وأضيف:
" لا أحد يبدأ من جديد خصوصاّ إن غادر الوطن...
“~~~~”
جابر...
كنت مراراً ما أقول: " سأترك عمان"
ومراراً ما أسمعهم من حولي يرددون :
" نسكن هنا إلى حين وصول أوراق الهجرة "
" باركولي حصلت أخيراً على الجرين كارد..."
" سأضع مولودي هناك فيحصل على باسبور أجنبي يضمن به مستقبله الى الأبد ..."
" لنا صديقة محظوظة، تقدّم إليها عريس سيحملنها إلى أمريكا " !!!
عبارات قصيرة تحمل أحلام من نور لا تنتهي....
لم أخطط كغيري، كان فقط انبهار بالأراضي الخضراء على الجانب الاخر من العالم، وضيق من قيود مجتمعي يكبت أنفاسي، ومعالم فقر من حولي تكبل يديّ.
لأردّد دائماً في نفسي : " إن حانت الفرصة، أكيد سأترك عمان" !
لم أفهم يوماً معنى قولي، كانت فقط أمنية بعيدة المنال، حلم مستحيل التحقيق لأترك مشاكلي في بلدي ورائي وأبدأ من جديد.
" ليس هنالك شيء اسمه نبدأ من جديد. لا أحد يبدأ من جديد... حتى وإن غادر الوطن "
قال لي جابر، شاب صغير في أوائل العشرينات قابلته على شباك التأشيرات في مطار الملكة علياء الدولي، ردأَ على جوابي اّنذاك :
" أسافر لأبدأ من جديد"
حين سألني عن سبب سفري، سؤال يعتبر مجرد سؤال عادي صوري روتيني يسألونه عادة للمسافرين في المطارات ولا يسمع جوابه أحد. إلا أن جابر كان قد سمع جوابي بالرغم من صوتي المنخفض أحدّث به نفسي، وكأنه من فوق كرسيه الصغير اليومي هناك وهو يرقب المسافرين يتجولون في الساحة، صار ينصت الى كلمات عيونهم أو يتقن قراءة أفكارهم !
غريب، قد رأيت جابر لبضع ثواني في حياتي، قرأت اسمه معلق على صدره فقط .
وها هو اليوم يعود اليّ بصوته وبملامحه كل لحظة وفي كل مكان وأنا غريبة عن مدينتي عمان في مدينة أخرى بعيدة...
أتذكر جابر جالس خاف الشباك و أمامه "استيكانة" من زجاج رقيق من الشاي الداكن يطفو فوق طبقة سميكة من السكر لفرع نعنع طويل ينغمس فيه كتربة ويصل بأوراقه الخضراء الى السطح، بينما أرشف من فنجان كبير فاخر ملون أمامي ذو يد معدنية لامعة في مقهى غريب عني ذو طابع لا يشبهني، رشفات باردة من شاي لا طعم له ولا رائحة....
أتذكر جابر يتكلم بحزم واحترام دون أن يرفع عينيه الواسعة السوداء إليّ، بينما تتحوطني عيون زرقاء وخضراء ضيقة لا معاني فيها تتفحصني بريبة كغريب بلا حياء...
أتذكر جابر كيف يطوي كمّ قميصه الأزرق الأنيق وأنا أتفرج على الرجال حولي يرتدون ملابس ملونة رقيقة بالكاد تغطي صدورهم وكأنهم ذاهبون إلى الشاطيء والبح
ر ...!
أتخيل جابر ينهي ساعات دوامه الثمانية ويستقل سيارة تاكسي من نوع "سيفيا" تعبر به شارع المطار الطويل، يطل من شباكه فيرى على جانبيه بضع شجيرات حراج يتجمع تحت ظل كل منها عائلة من طفلين أو ثلاثة تفوح منهم رائحة اللحم المشوي المحمّر على الفحم.
أتخيل جابر يعبر شوارع عمان ماراَ بالدوار الثامن حتى الدوار الأول ، يصل إلى منزلفي جبل عمان ، يفتح الباب لتفوح رائحة الفول الأخضر المقلي بالزيت مع الليمون و الثوم..وتطل والدته من خلف الباب تعانقه وتقبله..ليجلس مع والده بعد تناول الغداء على الشرفة الصغيرة يقرأ الجريدة، يلعب الورق ويدخن الأرجيلة...تحت دالية عنب عمرها بفوق عمره بسنوات..ويدندن لحن أغنية "لعمر العبدلات" أذيعت في عيد الاستقلال.
الاّن فقط عرفت الحب. حب الرجل بالنسبة لي بات يُختصر في ملامح جابر، في طباعه وتفاصيل حركاته وحياته.. وحب المدينة تلخصها لي زقاق عمان بشوارعها وذكرياتي فيها.
الاّن فقط عرفت أن جابر البسيط الحال كان على حق. أبحث عنه اليوم في مطار عمان وأنا عائدة